بكل تأكيد لم تعد أتمتة الويب رفاهية تقنية أو حكرًا على فرق البرمجة، بل صارت جزءًا أساسيًا من سير العمل اليومي لدى صنّاع المحتوى وروّاد الأعمال والباحثين وفرق التسويق. بين استخراج بيانات من صفحات مختلفة، وملء نماذج مكررة، والتنقل بين مواقع عدّة لإنجاز مهام دورية، تضيع ساعات طويلة على خطوات ميكانيكية يمكن للآلة القيام بها بثبات ودون ملل.
![]() |
خلي جوجل كروم يشتغل بدالك ويخلصلك الشغل.. مع إضافة Nanobrowser |
هنا يظهر مفهوم وكيل الويب الذكي: برنامج يعمل داخل المتصفح، يفهم ما تريد، يضع خطة، ينفذها خطوة بخطوة، ويتحقق من النتائج. وفي هذا المضمار، تبرز إضافة Nanobrowser كأحد أكثر الحلول نضجًا وبساطة في آن، إذ تجمع بين بساطة التثبيت والاستخدام على كروم وبين قوة النماذج اللغوية الحديثة، مع الحفاظ على الخصوصية لأن كل شيء يعمل محليًا على جهازك.
الفكرة التي تقف خلف Nanobrowser واضحة: بدل أن تكتفي بإضافة دردشة تعتمد على نموذج لغة وتعيد لك نصوصًا منمّقة، تمنحك الإضافة “وكيلًا” يفكك المهمة إلى خطوات قابلة للتنفيذ داخل DOM المتصفح يفتح الروابط ذات الصلة، يقرأ عناصر الصفحة، يملأ الحقول، ينقر الأزرار، ينتظر ظهور عناصر معينة، ويتأكد أن النتيجة النهائية تطابق ما طلبته. النتيجة؟ تتقلص المهام التي كانت تستغرق منك عشرات الدقائق إلى سلسلة أوتوماتيكية قابلة لإعادة التشغيل على بنقرة واحدة.
تقدّم Nanobrowser نفسها كأداة مفتوحة المصدر ومجانية بالكامل، وتترك لك حرية اختيار مزود الذكاء الاصطناعي المناسب عبر مفاتيح API الخاصة بك، سواء أردت الاستفادة من نماذج سحابية (مثل Gemini أو OpenAI أو إصدارات Claude الحديثة) أو الاعتماد على Ollama لتشغيل نماذج محليًا على جهازك دون اتصال دائم بالإنترنت. هذا التفويض يمنحك تحكمًا عمليًا في التكلفة والأداء والخصوصية معًا: يمكنك تشغيل مهامك الحساسة باستخدام نموذج محلي للحفاظ على السرية، أو التحول إلى نموذج سحابي أقوى عند الحاجة لقراءة صفحات معقدة أو تنفيذ مهام طويلة متعددة الخطوات.
الفارق البنيوي بين Nanobrowser ومعظم “إضافات ChatGPT” يكمن في أن الأخيرة تبقى في الغالب واجهة محادثة تكتب لك نصًا أو كودًا داخل المتصفح، بينما Nanobrowser يتصرّف كعامل فعلي داخل الواجهة: يخطط، ينفذ، يتحقق. هذا الفارق يقرّبه أكثر من أدوات RPA (أتمتة العمليات الروبوتية)، لكنه يختلف عنها بفضل ذكاء النموذج اللغوي وقدرته على فهم السياق وقراءة النصوص الحرة داخل الصفحات حتى لو اختلفت تفاصيل الهيكل أو أسماء العناصر.
كيف يعمل Nanobrowser تحت الغطاء؟ تعتمد الإضافة على فكرة “وكلاء متعددين”؛ عادةً هناك وكيل للتخطيط يترجم طلبك إلى خطة عمليات، ووكيل للتنقل يتولى الحركة بين الصفحات والتبويبّات، ووكيل للتحقق يتأكد من أن كل خطوة حققت الهدف المرجو قبل الانتقال للخطوة التالية. كل وكيل يستدعي قدرات النموذج اللغوي الذي تختاره عبر API، مع مجموعة من الأدوات الداخلية للقراءة من DOM والنقر والتمرير والانتظار والتقاط الأخطاء. من منظور المستخدم، لا تحتاج لمعرفة هذه التفاصيل الدقيقة؛ كل ما عليك هو وصف المهمة بوضوح، وسيحاول الوكيل إنجازها بأقل تدخل يدوي ممكن.
سيناريوهات عملية تجعل Nanobrowser خيارًا قويًا
- استخراج الأسعار والمواصفات: أدخل قائمة روابط (أو كلمة مفتاحية) وسيقوم الوكيل بفتح الصفحات، وقراءة العناصر ذات الصلة (السعر، اسم المنتج، المواصفات، التقييمات)، وتجميعها في جدول قابل للنسخ أو التصدير.
- ملء نماذج متكررة: إذا كنت ترسل طلبات توظيف أو تعبّئ استمارات شركاء أو تستقبل نماذج دعم، يمكن تهيئة الإضافة لإدخال البيانات تلقائيًا بدقة، بما في ذلك رفع الملفات والضغط على أزرار التأكيد.
- مراقبة تحديثات صفحات: يتابع الوكيل تغيّر بند معيّن (مثل تاريخ شحن، وقت إعلان، أو توافر منتج) ويعلمك عند التحديث أو ينفّذ إجراءً لاحقًا (كإرسال ملخص أو حفظ لقطة شاشة).
- تجميع مصادر بحثية: في مهام البحث، يتنقل بين نتائج متعددة، يقرأ الفقرات ذات الصلة، ينشئ ملخصًا محكومًا بسؤال البحث، ويصنف النتائج وفق معيار تحدده (الجدارة، التاريخ، المصدر).
- سير عمل تسويقي: يجمع عناوين واتصالات من صفحات موثوقة، يركّب رسائل أولية مخصصة لكل جهة (Dynamic Snippets)، ويجهّزها لك للمراجعة قبل الإرسال عبر أداتك البريدية.
ما الذي يميز Nanobrowser عن البدائل
- مفتوحة المصدر ومجّانية: هذا يعني مجتمعًا يضيف تحسينات بسرعة ويكشف الثغرات مبكرًا، ويعني كذلك عدم توريطك في اشتراكات شهرية إجبارية.
- الخصوصية أولًا: لا تُرسل بيانات جلسة التصفح إلى خوادم الإضافة؛ أنت المتحكم الوحيد في مفاتيحك ومزوّدك. هذا مهم جدًا في الأعمال التي تتعامل مع بيانات حساسة أو ملكية فكرية.
- مرونة النماذج: يمكنك التبديل بين نموذج محلي عبر Ollama (للمهام الحساسة أو عند انقطاع الإنترنت) ونموذج سحابي (للمهام الثقيلة أو التي تحتاج قدرة استدلال أعلى).
- وكلاء متعددون: وجود “مخطّط، متنقّل، ووكيـل تحقق” يقلّل نسبة الفشل في السلاسل الطويلة، لأن الإضافة تفكّك المهمة وتتحقق من مخرجات كل خطوة.
- تجربة استخدام بسيطة: على الرغم من “ذكائها”، تبقى خطوات التشغيل مألوفة: تثبيت من متجر كروم، إدخال API Key، كتابة مهمتك بنص واضح، ثم المراقبة والتعديل.
خطوات التثبيت والإعداد باختصار عملي
- افتح متجر كروم وثبّت الإضافة من هنأ، أو حمّل الحزمة المفتوحة المصدر من GitHub إذا أردت الاطلاع على الشفرة والتحقق بنفسك.
- أدخل مفتاح واجهة برمجة التطبيقات (API Key) من مزودك الذي ترتاح له يمكنك الاعتماد على مزود سحابي، أو تشغيل نموذج محلي عبر Ollama.
- من إعدادات الإضافة اختر النموذج الافتراضي، واضبط بعض الحدود مثل “الحد الأقصى للخطوات” و“مدة الانتظار” بين الأوامر، واسمح للصلاحيات التي يحتاجها الوكيل للتفاعل مع الصفحات.
- أنشئ “مهمة” جديدة بوصف واضح قابل للتحقق، مثل:
- «ادخل إلى صفحة نتائج البحث عن “حواسيب محمولة Ryzen 7”، افتح أول خمسة روابط، واستخرج السعر، الذاكرة RAM، والمعالج، وضعها في جدول. تجاهل الروابط المدفوعة.»
- ابدأ التشغيل، شاهد السجل الحي (Log) لمعرفة كل خطوة، وأوقف التنفيذ أو عدّل التوجيهات عند الحاجة.
أفضل ممارسات للحصول على نتائج موثوقة
- قسّم المهمة: السلاسل الطويلة أكثر عرضة للأخطاء قسّم المهمة إلى مراحل (جمع الروابط استخراج البيانات التحقق التصدير).
- كن محدّدًا في الوصف: لا تقل “اجمع المعلومات”، بل “استخرج السعر بصيغة رقمية دون رمز العملة، واستخرج اسم المنتج من عنصر العنوان فقط”.
- ضع حدودًا زمنية: عيّن وقت انتظار معقول لتحمّل الصفحة، وحدًا أقصى لعدد الصفحات المفتوحة بالتوازي لتجنب حظر الموقع لكثرة الطلبات.
- استعمل مؤشرات DOM عند الإمكان: إذا كنت تعرف “المحدد” (Selector) لحقل معيّن، وفّره للوكيل لتقليل التخمين.
- أعد المحاولة بخطة B: علّم الوكيل ما يفعل عند الفشل “إن لم يظهر الزر X بعد 8 ثوانٍ، أعد تحميل الصفحة مرة واحدة ثم تابع”.
- اختر النموذج المناسب للمهمة: النصوص الطويلة والتحليل المعقّد تستفيد من نموذج سحابي قوي؛ التعبئة الروتينية قد تكفيها نماذج محلية أخف.
- تحقق يدويًا من عينة النتائج: حتى أذكى الوكلاء قد يخطئون مع الصفحات الديناميكية أو التصاميم المتغيرة؛ راجع عيّنة قبل الاعتماد على المخرجات بالكامل.
الخصوصية والامتثال وسياسات المواقع
Nanobrowser أداة قوية، والقوة تحتاج إلى انضباط. التزم دائمًا بـ شروط استخدام المواقع وملفات robots.txt وسياسات الخصوصية. تجنّب أتمتة عمليات تتعارض مع بنود الخدمة (مثل التحميل المفرط أو تجاوز قيود الدخول). لا تُخزّن كلمات المرور داخل تعليمات قابلة للمشاركة. وإذا أتمتت مدفوعات أو عمليات تسجيل دخول، فاحرص على بيئة عمل آمنة ومحدودة الصلاحيات. أيضًا، بعض المواقع تستخدم CAPTCHA أو تقنيات مضادّة للأتمتة؛ توقّع الحاجة لتدخل يدوي أو لدمج خدمات حلّ CAPTCHA حيث يُسمح بذلك قانونيًا.
قيود محتملة ينبغي معرفتها قبل الاعتماد الكامل
- الواجهات الديناميكية (SPA) قد تغيّر أسماء العناصر أو بنيتها باستمرار، ما يجعل الأتمتة هشّة إذا لم تضبط محددات ذكية وتحقق دوري.
- العناصر الكسولة التحميل (Lazy-loaded) تتطلب تمريرًا وانتظارًا؛ صِف ذلك في المهمة حتى لا يقرأ الوكيل صفحة فارغة.
- حظر المعدلات (Rate limiting): إذا فتحت عشرات الصفحات بسرعة، قد يرد الموقع بحظر مؤقت؛ استخدم مهلات وتأخيرًا بين الطلبات.
- تكلفة واجهة البرمجة: النماذج السحابية غالبًا تُحاسبك حسب عدد الرموز (Tokens)؛ راقب الاستهلاك، وفكّر في نموذج محلي للمهام المتكررة لتقليل التكلفة.
- التغيّر المتكرر في الواجهات: عندما يغيّر موقع تصميمه، قد تفشل المهمة؛ احتفظ بقالبين بديلين أو علّم الوكيل إستراتيجية تعويضية (Fallback).
مقارنة سريعة مع الإضافات “المعتمدة على الدردشة”
الإضافات المعتادة تمنحك صندوق دردشة يكتب نصوصًا أو يشرح محتوى الصفحة. هذا ممتاز للكتابة والملاحظات، لكنه لا ينفّذ العمل نفسه.
Nanobrowser يتعامل مع الإجراءات: يضغط، يملأ، ينتقل، يتحقق. هو أقرب إلى “عامل” داخل المتصفح، لا “كاتب” داخل الشريط الجانبي.
إن كنت تحتاج تحرير نص أو صياغة منشور فالإضافات النصية كافية. أما إن كان عملك يتضمن خطوات متسلسلة داخل مواقع، فوكيل مثل Nanobrowser يوفّر الوقت بصورة دراماتيكية.
لمن تُناسب Nanobrowser
- الباحثون والصحفيون: لجمع مواد ومراجع ولقطات وصفحات وحفظها مع ملخصات.
- فرق التسويق والمبيعات: لتتبّع الأسعار والمنافسين وتجميع بيانات التواصل والتصنيف حسب معايير.
- رواد الأعمال وصنّاع المحتوى: لإدارة عمليات نشر أو تحديثات روتينية أو سحب تقارير من لوحات تحليلات.
- الطلاب: لتنظيم مصادر بحثية وتثبيت نمط تكراري لجمع بيانات من مواقع تعليمية.
- المطوّرون: لاختبار واجهات بصورة شبه بشرية عبر سيناريوهات يمكن إعادة تشغيلها.
أسئلة شائعة بإجابات عملية
- هل الإضافة مجانية فعلًا؟ نعم، المشروع مفتوح المصدر ومجاني. التكلفة الوحيدة قد تكون من مزود النموذج السحابي الذي تختاره أو صفر إذا استخدمت نموذجًا محليًا عبر Ollama.
- هل أحتاج لتسجيل بيانات حساسة؟ لا. تعمل الإضافة محليًا داخل متصفحك، ومفتاح الـAPI يبقى عندك. تجنّب إدخال أسرار حساسة داخل نص المهمة.
- ما الفرق بينها وبين إضافات ChatGPT؟ Nanobrowser “ينفّذ” إجراءات عبر وكلاء متعددين ويغلق الحلقة بالتحقق. إضافات الدردشة “تكتب” فقط.
- هل تدعم العربية؟ الدعم يعتمد على النموذج الذي تربطه. كثير من النماذج الحديثة تقدّم أداءً جيدًا بالعربية، ويمكنك توجيه الوكيل لإعطاء تعليمات وقراءات بالعربية.
- هل تعمل بدون إنترنت؟ إذا ربطتها بنموذج محلي عبر Ollama فيمكنك تنفيذ مهام كثيرة دون اتصال دائم مع ملاحظة أن تصفح المواقع نفسها يتطلب اتصالًا بطبيعة الحال.
لماذا ننصح بها لموقع “تيكرو ويب” وجمهوره
لأنها تمثّل خطوة عملية من “الحديث عن الذكاء الاصطناعي” إلى تشغيله فعليًا في المهام اليومية. أنت لا تشرح للزائر فكرة عامة، بل تقدّم له أداة يمكنه تثبيتها الآن لتقليل ساعات من أعمال متكررة. كما أنها تحترم الخصوصية، وهو مطلب يتزايد لدى المطورين وصنّاع المحتوى والفرق الصغيرة. وبما أن الإضافة مفتوحة المصدر، فهذا يمنح مجتمعك القدرة على صناعة “وصفات” (Recipes) جاهزة ونشرها، ما يخلق محتوى قيّمًا متجددًا لموقعك.
في النهاية، Nanobrowser ليست مجرد “إضافة ذكية” أخرى؛ إنها طريقة تفكير جديدة في أتمتة الويب من داخل المتصفح نفسه. بقليل من التخطيط الجيد ووضوح الأوامر، يمكن أن تتحول مهامك الروتينية إلى خطوط إنتاج دقيقة تُعيد لك وقتك وتقلل الأخطاء وتحسّن اتساق النتائج. وإذا أضفت إلى ذلك حرية اختيار النموذج بين السحابي والمحلي، ستحصل على أفضل مزيج بين القوة والخصوصية والتكلفة المنخفضة.
من وجهة نظر عملية، هذا النوع من الأدوات سيصبح جزءًا ثابتًا في حقيبة أي صانع محتوى أو باحث أو مسوّق جاد. ابدأ بالمهمات البسيطة استخراج جدول، تعبئة نموذج، مراقبة تغيير ثم توسّع تدريجيًا نحو سلاسل أطول مع سياسات تحقق واضحة. ستكتشف خلال أسابيع أنك “تدير” العمل بدل أن “تقوم” به.
إرسال تعليق