لم يعد الذكاء الاصطناعي محصورًا في مختبرات الشركات الأمريكية العملاقة مثل OpenAI وGoogle وAnthropic، بل تحوّل إلى ساحة تنافس عالمي، دخلتها الصين بقوة في السنوات الأخيرة. وبينما ينظر الملايين حول العالم إلى ChatGPT كأيقونة الثورة الجديدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بدأت تبرز نماذج أخرى تقدم نفسها كبدائل منافسة، بعضها مجاني، وبعضها مفتوح المصدر، وبعضها موجّه لأسواق محددة.
في هذا السياق، جاء النموذج الصيني GLM-4.5 ليطرح نفسه كأفضل بديل مجاني متاح حاليًا، وهو تطور جديد يعكس طموح الصين في كسر الهيمنة الغربية على هذا القطاع.
 |
| النموذج الصيني GLM-4.5: منافس جاد وبديل مجاني قوي لـ ChatGPT |
هذا المقال يستعرض أهمية البحث عن بدائل لـ ChatGPT، ثم يقدم قراءة معمقة في خصائص ومميزات GLM-4.5، مع تسليط الضوء على مدى قدرته على خدمة المستخدم العربي. كما نقارن بينه وبين أشهر النماذج الأخرى مثل GPT-4 وClaude وGemini، ونناقش التحديات والفرص التي يطرحها هذا البديل المجاني.
لماذا يبحث المستخدمون عن بدائل لـ ChatGPT
منذ إطلاق ChatGPT في نوفمبر 2022، شهد العالم ثورة في كيفية تعامل الأفراد والشركات مع النصوص الرقمية. ملايين المستخدمين انبهروا بقدرة الأداة على كتابة المقالات، صياغة الرسائل، توليد الأكواد البرمجية، وحتى تقديم الاستشارات. لكن مع مرور الوقت، ظهرت قيود النسخة المجانية (GPT-3.5)، أبرزها:
- الأداء المحدود مقارنة بـ GPT-4: حيث لاحظ المستخدمون أن الإصدار المجاني أقل دقة في التحليل، وأضعف في تقديم إجابات معمّقة أو إبداعية.
- القيود الكمية: إذ يفرض OpenAI حدودًا يومية على عدد الاستعلامات، ما يعيق الاستخدام المكثف لأغراض مهنية أو تعليمية.
- غياب المزايا الإضافية: مثل التعامل مع الصور، استخدام الإضافات، أو تشغيل أدوات البرمجة المدمجة (Code Interpreter).
- ارتفاع كلفة النسخة المدفوعة: إذ يبلغ الاشتراك الشهري 20 دولارًا، وهو مبلغ قد يكون مقبولًا في الدول الغنية، لكنه مرتفع نسبيًا لطلاب وباحثين أو مطورين مستقلين في دول نامية.
هذه الأسباب دفعت الكثيرين إلى البحث عن بدائل مجانية، وخاصة تلك التي تقدم جودة مقاربة لـ GPT-4، مع دعم لغات متعددة بينها العربية.
ما هو GLM-4.5
النموذج الصيني GLM-4.5 هو النسخة الأحدث من سلسلة General Language Model التي تطورها شركة Zhipu AI، وهي إحدى أبرز شركات الذكاء الاصطناعي في الصين.
صُمّم النموذج لمنافسة النماذج الكبرى مثل GPT-4 من OpenAI، وClaude من Anthropic، وGemini من Google. ويستند إلى تقنيات حديثة في تحليل السياق وفهم اللغة الطبيعية وتوليد النصوص.
من الناحية التقنية، يعتمد GLM-4.5 على بنية Mixture of Experts (MoE)، وهي هندسة تسمح للنموذج بالاعتماد على “خبراء” داخليين مختلفين حسب نوع المهمة. هذه المقاربة تمنحه كفاءة أعلى وسرعة استجابة أفضل مقارنة بالنماذج التقليدية.
ويدعم النموذج أكثر من 26 لغة، من بينها:
- العربية
- الإنجليزية
- الصينية
- الفرنسية
- الإسبانية
- الألمانية
إلى جانب تدريبه على مليارات الجمل والوثائق التي تغطي محتوى علميًا، أدبيًا، تقنيًا وثقافيًا.
لماذا يعتبر GLM-4.5 أفضل بديل مجاني لـ ChatGPT
1. مجاني بالكامل
على عكس ChatGPT الذي يقدّم نسخته الأقوى باشتراك شهري، فإن GLM-4.5 متاح مجانًا عبر الموقع الرسمي. هذا يتيح لطلاب الجامعات والباحثين وأصحاب المشاريع الصغيرة الوصول إلى قدرات متقدمة دون تكلفة.
2. دعم رسمي قوي
النموذج مدعوم من شركة Zhipu AI التي تحظى بدعم حكومي وأكاديمي داخل الصين، ويُستخدم في تطبيقات تعليمية وصناعية فعلية، ما يعزز موثوقيته واستمراريته.
3. دعم ممتاز للغة العربية
رغم أن النموذج تم تدريبه بالأساس على الصينية والإنجليزية، إلا أنه يقدم أداءً ملحوظًا في اللغة العربية، سواء في كتابة مقالات أو صياغة منشورات أو الإجابة عن أسئلة معقدة. وهذا يجعله منافسًا مباشرًا لChatGPT في السوق العربية.
4. الخصوصية وأمان البيانات
لا يفرض GLM-4.5 مشاركة بيانات حساسة أو تسجيل إلزامي لاستخدامه، وهو أمر مهم للمستخدمين الذين يقلقون بشأن تتبع نشاطاتهم أو جمع بياناتهم.
5. كفاءة تقنية عالية
بفضل بنية Mixture of Experts، يستطيع النموذج التعامل مع أوامر معقدة بسرعة أكبر، وهو ما يجعله مناسبًا للصحفيين والمبرمجين وكتّاب المحتوى الذين يحتاجون إلى استجابات فورية ودقيقة.
حالات استخدام GLM-4.5 في العالم العربي
النموذج ليس مجرد تجربة تقنية، بل يمكن توظيفه في عدة سيناريوهات عملية، خاصة للمستخدمين العرب:
- الدعم الدراسي: تبسيط المواد العلمية، مساعدة الطلاب في كتابة الأبحاث، أو التدرب على كتابة مقالات.
- المحتوى التسويقي: توليد نصوص إعلانية، منشورات سوشيال ميديا، أو وصف منتجات.
- الصحافة والإعلام: صياغة أخبار سريعة، تحرير عناوين، كتابة مقالات رأي أولية.
- البرمجة: شرح الأكواد البرمجية أو مساعد المطورين في تصحيح الشيفرات.
- تعلم اللغات: التمرن على الكتابة والمحادثة بلغات مثل الإنجليزية أو الفرنسية أو الصينية.
مقارنة بين GLM-4.5 وChatGPT
ChatGPT (GPT-3.5 وGPT-4)
- المميزات: خبرة طويلة، قاعدة بيانات ضخمة، مجتمع مستخدمين واسع.
- العيوب: نسخة مجانية ضعيفة (GPT-3.5)، النسخة القوية مدفوعة فقط.
GLM-4.5
- المميزات: مجاني بالكامل، أداء قوي، دعم للغات متعددة، تركيز على الخصوصية.
- العيوب: لا يزال جديدًا مقارنة بـ OpenAI، وبعض المزايا (مثل تحليل الصور) قيد التطوير.
الصين والسباق العالمي في الذكاء الاصطناعي
إطلاق GLM-4.5 ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من استراتيجية صينية أكبر لمنافسة الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي. الصين تدرك أن السيطرة على النماذج اللغوية تعني السيطرة على المعرفة الرقمية والإعلام والمحتوى الثقافي.
من خلال دعم نماذج مثل GLM-4.5، تسعى بكين لتوفير بدائل “غير غربية” يمكنها جذب المستخدمين في آسيا، إفريقيا، والعالم العربي، خاصة في ظل تصاعد الجدل حول هيمنة الشركات الأمريكية على البيانات والمحتوى العالمي.
التحديات التي يواجهها GLM-4.5
رغم قوته، يواجه النموذج عدة تحديات:
- الثقة الدولية: لا يزال كثيرون يشكّون في نزاهة النماذج الصينية بسبب الرقابة الحكومية.
- المنافسة الشرسة: مع استمرار تطوير OpenAI وGoogle وAnthropic لنماذج أقوى.
- التوسع العالمي: يحتاج GLM-4.5 إلى بناء مجتمع مستخدمين واسع خارج الصين لضمان استمراريته.
النموذج الصيني GLM-4.5 يمثل اليوم أحد أبرز البدائل المجانية لـ ChatGPT، بل ويمكن اعتباره الخيار الأفضل لعام 2025 لمن يبحث عن جودة عالية دون تكلفة. فهو يجمع بين دعم لغات متعددة (بما فيها العربية)، وبنية تقنية متقدمة، وموثوقية نابعة من دعم مؤسسي قوي.
في ظل ارتفاع تكاليف ChatGPT، فإن GLM-4.5 قد يكون أداة مثالية للطلاب العرب، الصحفيين، المبرمجين، وأصحاب المشاريع الصغيرة. ومع استمرار تطوره، قد نشهد خلال الأعوام القادمة انتقالًا تدريجيًا لملايين المستخدمين من الغرب إلى الشرق في مجال الذكاء الاصطناعي.
إذا كان المستقبل للذكاء الاصطناعي المتعدد الأقطاب، فإن GLM-4.5 هو أول إعلان صيني جاد بأن السباق لم يعد حكرًا على وادي السيليكون.
إرسال تعليق